إذا لم تستطع التملك فلا تفعل

إذا لم تستطع التملك، فلا تفعل”. هذه قاعدة أساسية في كل عملية شراء، ولكن لها أهمية كبرى عند أحد أهم القرارات الشرائية اليوم، وذلك هو قرار تملك المنزل. وعلى الرغم من أن عدم القدرة يعني أنك فعليا لا تستطيع، إلا أن تسهيل برامج التمويل يجعل المستحيل ممكنا، وهنا مكمن الخطر.

How-Mortgage-Insurance-Cover-Works-for-You

نعم، بالأرقام، قرار التملك أفضل من غيره – مقارنة بالإيجار مثلا – ولكن في بعض الحالات، وبالأرقام أيضا، هو قرار خاطئ بالمرة مع النمو السكاني المستمر الذي يقترب من 3 في المائة سنويا وارتفاع مؤشرات الأسعار كذلك، يتعاظم الضغط على المواطن في عملية غير متوازنة، ويزيد من ذلك تأخر البرامج الوطنية المتعلقة بالإسكان مع منح البنوك الضوء الأخضر للتمويل. عندما تأتي الضغوط مع المغريات تصبح عملية اتخاذ القرار أصعب، والخطأ أكثر احتمالا. ومما يفاقم من المشكلة هو أننا بطبيعتنا لا نؤيد قراراتنا الشخصية بأسلوب علمي وأحيانا بدون حتى “حِسبة” بسيطة، بل يكون المؤثر الأكبر هو نقاش دائر في استراحة أو ضغط مستمر من الأقارب.

حالة مختلف، قرار مختلف

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقول إن التملك دائما أفضل، أو الإيجار دائما أفضل؛ لأن المعطيات تختلف حسب ملاءة الشخص والظروف الاقتصادية الراهنة، بل إن قرار التملك يختلف جذريا حسب مكان إقامة الشخص داخل الدولة نفسها؛ ظروف التملك مثلا أفضل لساكن القرية من الإيجار، بينما لا تكون كذلك لمن يقرر أن يسكن في وسط المدينة أو من يتنقل بين المدن لأسباب مهنية، تدخل في المعادلة تكلفة التمويل الحالية، ومدى قدرة الشخص على الاستفادة من البرامج المتاحة، إضافة إلى خطته الخاصة بالاستثمار والادخار. لا بد أن يقوم الفرد بدراسة كل من: توقيت الشراء، أسلوب التمويل، وخصائص المسكن المستهدف بطريقة موضوعية ومستقلة.

لا يشتري أحدهم مسكنا فقط لأن الأسعار معقولة – وهي قطعا ليست معقولة الآن – ولا يقترض من أجل ذلك لأن التمويل سهل وممكن، بل هو في الأساس يبحث عن مكان يعيش فيه بارتياح، ولأن لديه القدرة المادية على ذلك، ولأن معطيات الصفقة تشكل فرصة جيدة له. من يحاول التملك وهو لا يمتلك الملاءة الكافية، يرهق نفسه وأسرته بقية عمره، وربما يتورط فيما لا طاقة له به.

أحيانا، القرار السيء يظل أفضل!

تجدر الإشارة إلى أن مشروع التملك “المرهق” يصبح أحيانا أفضل من عدم التملك مع أنه بالأرقام أسوأ؛ أي أن حصول الشخص على تمويل مكلف لتملك المنزل أفضل من عدم تملكه بالكامل، وهذا يحصل في حالة عجز الفرد عن إدارة شؤونه المالية باقتدار، إذا كان يعرف نفسه أنه لن يدّخر، ولن ينجح في ضبط مصروفاته، فشراء المنزل ولو بتكلفة تمويلية عالية جدا أجدى من عدم الشراء وعدم الادخار معا، لأن التكلفة هنا تغطي مساوئ سلوكياتنا المالية وتمنحنا خيار التملك والادخار بصفقة واحدة. أما إذا كان الفرد يملك قراره ويسيطر على سلوكه المالي جيدا، فمن الأفضل له أن يتخذ قرار التملك – أو عدم التملك – بناء على التحليل والدراسة وتقييم كل الخيارات الممكنة.

ورأي الخبير..(ماخاب من استشار)

نعم هناك صعوبة شديدة في الحصول على رأي مستقل وموضوعي يسند عملية اتخاذ القرار، ولكن هذا هو الطريق الأفضل، والتحدي ليس في تكلفة رأي الخبير مثلا، ولكن في عدم وجوده من الأساس على الرغم من الحاجة الماسة إليه، وهذا يدخل من ضمن افتقارنا لكل عناصر تعزيز الثقافة المالية في المجتمع، قلة الخبراء والبرامج.

لن تتملك قريبا؟ والحل..

السؤال المهم، ماذا يستطيع أن يفعل الشخص إذا قرر تأجيل تملك المنزل أو عدم التملك بتاتا؟ هناك في الحقيقة عدة أمور تبدأ من التخطيط المالي الجيد والواضح، وبعدها يأتي الحصول على سكن مريح وملائم وبتكلفة إيجارية معقولة. من المهم التركيز على البدائل الادخارية التي تضمن للشخص تحقيق أهدافه المالية لبقية حياته. الادخار متطلب جوهري للإدارة المالية، بتملك المسكن أو بدون تملك. ومما يحسن الخيارات هنا اهتمام الفرد برفع إنتاجيته وتحسين مستوى دخله باستمرار، لأن التحديات تزيد والأسعار ترتفع مما يحول ثبات الدخل إلى عائق كبير.

يقول أحد محللي الأزمة المالية العالمية الأخيرة: “قامت الحكومة الأمريكية الحمقاء بتوريط أناس غير منتجين ليشتروا منازلهم بالديون التي يستفيد منها حفنة من الماليين، من الطبيعي أن تنتهي بخسارة الجميع”. الفكرة أن الجهات المسؤولة تتحمل توفير كل الخيارات المساعدة وحل مشكلات السوق، بينما على المستفيد أن يرفع من إنتاجيته ويحسن من دخله ثم يخطط ويتخذ قرار التملك بطريقة واعية، تنفعه ولا تضره.

*نشر بالاقتصادية بتاريخ 09 مايو 2014

 

أضف تعليق